الخميس , 18 أبريل 2024

العلامة كراي ابن أحمد يوره | مقال للأستاذ محمدن بن امد

الحمد لله أما بعد فبطلب من رئيس المنتدى العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم شيخنا الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي10429807_809394865806337_5609231008922292221_n فإنني سأنشر بعض القصائد لبعض الأجلاء من العلماء والشعراء من أمثال محمد فال بن محمذن “ببها” ومحمذن بن علي وامحمد بن أحمد يورَ ومحمذن بن محمد فال “اميي” وگراي ولد أحمد يوره وحمدن بن التاه ومحمدن بن حمدي ومحفوظ بن الاجداد والداه بن محمد عالي، مع التعريف بهؤلاء، وقد ألقى هذه القصائد الأستاذ دادي بن أحمد المجلسي مستشار رئيس المنتدى العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم في ندوة المديح النبوي التي نظمها المنتدى ليلة الإثنين ١١جمادى الأولى ١٤٣٦هـ في ابير التورس إن شاء الله تعالى، الله المستعان
وسأنشر اليوم قصيدة في مدح النبي صلى الله وذكر الهجرة النبوية للعلامة گراي ولد أحمديوره
مع ترجمة له إن شاء الله تعالى الله المستعان

العلامة گراي ولد أحمد يوره:
هو العلامة امحمد “گراي” بن محمد باب بن امحمد بن أحمد يوره بن محمذن بن أحمد بن العاقل ولد سنة: ١٣٤٠ه – ١٩٢٠م، بموضع يعرف ببلگدور شمال غربي المذرذرة، حفظ القرآن الكريم في صغره على يدي فطمة بنت حمدي وزين بن السالم، وغذته والدته يمِّ بنت ببها بلبان المحبة النبوية ومن زلال معرفتها نهل من معين علم السيرة نهلا لم يحتج بعده لعلل، فكان يقول إنه لم يزدد معرفة بالسيرة بعد ما علم من والدته العارفة بعلم السيرة الملمة بغيرها من العلوم، وعاش في حضنها وحضن أعمامه وأخواله الأجلاء فربوه أحسن تربية وارتاد مجالس القضاء والعلم ببيوتاتهم، ومما يروى أن العلامة الورع محمد سالم ابن ألما ورد يوما منزل أهل محمد باب فالتمست منه يمِّ الدعاء لأبنائها فقال لها إنهم سيكونون علماء وإن لم يتعلموا، وكانت يم امرأة صالحة تغذو الطير وتسقيها وربما كلمتها، ومما يعرف عنها أنها تحب الفأل الحسن وتستنشد العلامة أحمد بن اجمد اليدالي كلما زارهم بيته الشهير:
وثلج الصدر اطمأن وانشرح – فهْو كفعل النصر أو فعل الفرح.
يقول الدكتور يحي بن البراء مترجما لگراي في كتابه “المجموعة الكبرى” مترجما للعلامة گراي: “فقيه متميز وشاعر مجيد من قبيلة أولاد ديمان (أهل المختار اگد عثمان). أخذ عن سيد بن المختار امُّ الديماني، وعن محمد عالي بن محنض الديماني. وأخذ عن محمد سالم بن المختار بن ألما اليدالي الطريقة الشاذلية. وقد درس عليه كل من ببها بن التاه وأخوه حمدا بن التاه، والشيخ بن حَمَّ الشريف، ومحمذ بن محمودن الديماني. له مؤلفات منها: نظم السرايا (في السيرة النبوية)، ونظم في الهجرة النوية، ونظم الهجرة الأولى إلى الحبشة، ونظم الهجرة الثانية للحبشة، ونظم العقبتين الأولى والثانية، ومنظومة في أهل بدر، ومنظومة الخصال التي ورد أن فاعلها يغفر له، ونظم المخصصات في الأصول، ونظم المخلات في الفهم في الإجتهاد، وألفية في الأصول، ونظم الدينارية الكبرى، وديوان شعر كبير. وهو دفين الميمون من إگيدي”.
وممن درس عليه شيخنا العلامة الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي رئيس المنتدى العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وللعلامة گراي أبيات مشهورة في الترحيب والفرح بميلاد الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي حفظه الله ورعاه هي:
تضاعفت البشرى من الثقلينِ == بمولد طفل طيب الطرفينِ
حوى شرفين اثنين لا شك فيهما == ويندر مولود حوى شرفينِ
علي الرضا ذاك اسمه وهْو وسمه == ولا عجبٌ إن فاز بالصفتينِ
فلا زال إنسانا لعين زمانه == ولا زال للأعيان قرة عينِ
وعمره الرحمان في العلم والتقى == وعمر معه الأهل والأبوينِ
وإني أعيذ الكيف والأين منه باسم من جل عن كيف وجل عن اينِ
وفي جيب خير الخلق أدخلته وجيب فاطمة الزهراء والحسنينِ
ومكث العلامة گراي الكثير من الزمن يُدرِّس العلوم الشرعية، ولم أعرف بالضبط متى جلس للتدريس، غير أن محمد فال ببها “لمرابط” ذكر لنا أنه قدم سنة ١٩٤٥م من سفر له في نطاق العمل استمر سنوات فوجد گراي قد بدأ التدريس، وأخبرني عبد الله بن أحمدُّ أنه درس عليه نظم ابن عاشر بداية سنة ١٩٥٢م عام وفاة والدته يمِّ، وقد قصده طلاب العلم من غيرما وجهة ومنهم طلاب من خارج البلد.
وكان ينوِّه بشيوخه المذكورين في نثره وشعره فمن هذا قوله يصف إقراء العلامة محمد عالي بن محنض في قصيدته التي رثاه بها:
.. واذكره حيث صعاب المنطق انتطقت == لها الفهوم تجد من علمه عجبا
هذا وتعداد ما قد حاز يتعبني == من رام تعداد ما قد حازه تعبا
لو كان يفدى بملء الأرض ما ذهبا == ولو غدا فضة بيضاء أو ذهبا
يا شيخ لم ننس أياما تعلمنا == فيها فيسهل للأفهام ما صعبا
تظل من علمك الصافي تعللنا == فيرتوي الجاهل الصادي بما عذبا
جزاك عنا إله العرش خير جزا == ئه وسقاك من سحب الرضى سحبا
ومنه كذلك قوله يذكر ست ليال قضاها مع شيخه محمد سالم ولد ألما بتندكسم:
أقمت بتندگم ست ليال == وتلك الليال من عطا ذي الجلال
أجالس فيها الشيخ مسيا وبكرة == ولم تر عيني مثله في الرجال
فداء له نفسي ومالي كليهما == وفي حقه قد قل نفسي ومالي
تمتعت بالسحر الحلال لديهمُ == مرارا وخير السحر سحر حلال
تصدر گراي في الطريقة الشاذلية على يدي لمرابط محمد سالم ولد ألما، وكاشفه بمكاشفات لم يبح بها لغير أهل سره،
وقد قال العلامة گراي قبل وفاته بحوالي أربع سنوات لشيخنا الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي حفظه الله ورعاه إن محمد سالم ابن ألما أخبره أن عنده خلافة جده العلامة الصالح محمذن بن أحمد بن العاقل.
كما كانت له صلات بغيره من الصالحين وذوي العرفان أحبهم وأحبوه، وأجلهم وأجلوه، ففي سانحة لقاء له بالولي الصالح الشيخ أحمدو بن فتى الشقروي أخبره أن النبي صلى الله عليه يبشره بثلاث بشارات فسر لذلك سرورا كثيرا، وكان الشيخ أحمدو يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومناما.
وكانت له علاقات وطيدة بأجلاء وأمراء زمنه وخاصة بالأمير محمد فال ولد عمير ومن قوله فيه:
مني إلى ابن عمير من تحياتي == ما لا يحيط به وصف ولا ياتي
إلى الذي حاز مجــدا في بدايته == تقاصرت عنه أرباب النهايات
أسنى التحيات أهديها لحضرته == وقل مني لها أسنى التحيات
فقد سمعنا حكايات نسر بها == عنكم فحمدا على تلك الحكايات
وأنشد الحال مني بعد بينكمُ == بيـتا تخيرته من بين أبيات
“وما الحياة بأرض لا ترون بها == إلا كمثل حياة بين حيات”
تحلى العلامة گراي بلباس التقوى والورع ومحاسن الأخلاق فكان صبورا وقورا حليما كريما يجود بما ملكت يداه، ومن مظاهر ورعه تحرّيه الشديد في الفتوى مع حفظه وتضلعه بالعلوم الشرعية، فكان التريث والجواب بلا أدري ديدنه الغالب، يسلك في ذلك مسلك إمام المذهب مالك بن أنس ويصدق عليه قول الناظم فيه:
وكانَ في الفتوى أخا تحرِّ – أكثرَ في إفتائه لاَ أدري
ظل العلامة گراي يذب عن المحجة البيضاء، ويحذر من البدع والأهواء، وما أحسن قول الشاعر المؤرخ المختار بن حامد في ذلك:
قالت لنا السنة الغراء ما الراي – إني صعقت فقلت الراي گراي
گراي هو حباب الدين حارسه – فما سيامر گراي هو الراي
دبج العلامة گراي ولد أحمد يورَ القصائد الحسان في الدفاع عن السنة النبوية، وتملكه الأسى لما رآها مقفرة المعالم، تسام بالخسف في البدو وفي الحضر:
لهفي على سنة المختار من مضر – تسام بالخسف في بدو وفي حضر
منبوذة بالعرا قفرا معالمها – يظل خريتها في الخوف والحذر
لا أمعن الدهر في أحوالها نظرا – إلا اعتراني أسى من ذلك النظر
كادت تكون بلا عين ولا أثر – ولا حقيقة دون العين والأثر
من كان معتبرا في ذا الزمان لها – تراه بين النوادي غير معتبر
يا ليتها وجدت في الحال منتصرا – ما أحوج السنة الغرا لمنتصر
وللرجوع بالأمة إلى جادة الحق حض العلامة گراي على التمسك بالسنة الغراء، والصدع بالحق في السراء والضراء:
يا أمة الإسلام سنة أحمد – صلى عليه مكون الأشياء
قد رامها بالخسف كل مضلل – فكأنها منبوذة بعراء
عضوا عليها بالنواجذ واصدعوا – بالحق في السراء والضراء
لا تأخذوا ثمنا قليلا فانيا – عن سنة المخصوص بالإسراء
وقد ربط بين تغير معالم السنة وهبوب عواصف الجهل والبدع التي جرَّت أذيالها في رسم السنة المحبوب:
حيوا من السنة الغراء أطلالا – ولا تخلوا بذاك العهد إخلالا
تنكرت بعدما كانوا بها وخلت – وبدلت بعد ذاك العز إذلالا
ترى العواصف من جهل ومن بدع – تجر في رسمها المحبوب أذيالا
وتجده يستنهض همم علماء عصره مذكرا لهم بدورهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية بيضة الدين:
أيا قادة الدين الحنيف عليكمُ – تحية مشتاق يحن إليكمُ
ويرجو من الرحمن طول البقا لكمْ – فما حاط ركن الدين إلا بقاكمُ
وبعْد فما معنى حوادث غيرت – من السنة الغراء ما ليس يهدم
فأنتم رعاة الدين والدين حولكمْ – تلاعبت الأهوا به وسكتمُ
وقد كنتمُ تنهون عن كل منكر – ولا أمر بالمعروف إلا لديكمُ
فإن كان من خوف العقاب سكوتكمْ – فإن عقاب الله أقوى وأقومُ
وإن كان خوفا من تعطل رزقكمْ – فإن الغني الله والغير معدمُ
ونتج عند عالمنا من نظره في واقع الدين وتشخيصه لأدواء المجتمع فكرٌ مدلوله أن العوائد أعملت المعاول في هدم أركان الدين، وحن لعهد تنظر العين فيه الربوع أواهلا بالدين الحنيف:
أرى الدين هدت من بناه العوائد – وليس لما هد العوائد شائد
وحاد به نهج الهوى عن ربوعه – فيا ليت شعري هل هو الدهر عائد
وهل تنظر العين الربوع أواهلا – بهن من الدين الحنيف خرائد
فعرّجْ عليها وابكها بقصائد – ففي حقها قل البكا والقصائد
ومن العوائد التى حارب مترجمنا سفور النساء وخروجهن لاستقبال الوفود:
إذا ما وفود قد أظل قدومها – تظل لإكرام الوفود تُنظّمُ
تراهن للحفل الكبير من الرجال مستقبلات ما يليهن محرمُ
وقد جاوزت أقدامها كل شارع – ولم يبق من زيناتهن مكتَّمُ
هكذا عاش العلامة گراي يجاهد في الله حق جهاده لا تأخذه في الله لومة لائم، يعلم أحكام الدين في المجالس والحلقات، وينشر منهج السنة في الأشرطة على شكل محاضرات، ويصدع به على المنابر في الجمعات، يبدي المعارف بأوضح التبيان، ويسقي طلابه كؤوس علومه في حسن ألفاظ وطيب معان، يقول شيخنا العلامة الشريف الشيخ بن حمَّ -وهو خريج محظرة العلامة گراي وقد أجازه في سائر الفنون إجازة كاملة بارك الله فيه وحفظه ورعاه- في قصيدته الرائعة في رثائه:
إن أنس لا أنساه وسط نديّنا == يُبدي العلوم بأوضح التبيان
أيام يسقينا كؤوس علومه == في حسن ألفاظ وطيب معان
فنظل من عذب المسائل نرتوي == والقاصيات من العلوم دوان
فكأننا مع مالك وسليله == والعيلم السبكي ذي الإتقان
أو ننظر الجعفي عند حديثه == أو نجل إسحاق العظيم الشان
حفل شعر العلامة گراي بالمديح النبوي والإرشاد والتوجيه والتوسل، ومن السمات التي تكاد تطبع شعره المحسنات اللفظية والبديعية الناتجة عن إتقانه لفنون البديع والمعاني والبيان كما يرى الأستاذ الشريف محمدن بن أحمد محمود بن ادَّن رحمه الله تعالى في بحثه لنيل الإجازة من كلية الآداب سنة: ١٩٨٥م بعنوان “گراي ولد أحمد يوره: حياته وآثاره”، وقال في ذلك البحث الذي يعد من أهم المراجع عن حياة وآثار العلامة گراي: “ونستطيع القول بأن گراي يشكل مدرسة بديعية قائمة بذاتها”.
ومن عجيب أمر العلامة گراي ولد أحمد يوره حفظه النادر فقد كان في ما بلغنا يحفظ في المجلس الواحد أربعين قصيدة، يروى أنه قدم عليه ليلة السيد سيد أحمد بن اسنيد -وكان معروفا بالحفظ- فباتا سواد ليلتهم تلك يتناشدان ما حسن ورق من شعر العرب، ومنه كذلك خطه البديع فكان ابن مقلة زمانه يقول شيخنا الشيخ بن حم في قصيدته هذه:
وكأنما كان ابن مقلة بيننا == وخطوطه كالدر والعقيان
وكأنما كان الجنيد يفيدنا == بمعارف تشفي من الأدران
فلقد حوى ذاك الفقيد فضائلا == لم أستطع تعدادها بلساني
ويقول العلامة أحمدُّ بن التاه بن حمينَّ في رثائه له:
وزهَّد في الدنيا بأوصاف زاهد == وذكَّر بالإدمان لو تنفع الذكرى
وقد كان في التوجيه صادق وجهة == لمولاه لا يبغي رياء ولا فخرا
وأودع خطا في الطروس منمنما == يحلي بطون الكتب تحسبه الدرا
توفي العلامة گراي ٢٦ ربيع الأول١٤٢٠ه الموافق ١٠يوليو ١٩٩٩م، ودفن بالميمون،
وأرخ لوفاته شيخنا الشيخ بن حمَّ بقوله:
گراينا ميلاده تلفيه == شمسا (١٣٤٠ه ) أو العام الذي يليه
وسار في شكت (١٤٢٠ه) إلى رحمى العلي == في رمز هاك (٢٦) من ربيع الأول.
وقد رأيت قبل وفاته بنحو العامين أن النبي صلى الله عليه وسلم أهداه دراعة فقصصت عليه تلك الرؤيا فبدت المسرة على وجهه السمح رحمه الله تعالى.

وقال العلامة گراي ولد أحمد يوره يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أضاءت شمس مكة والأنامُ *** يُحَجِّبُ عنهم الشمسَ المنام
فلأيا ما اهتدوا لشعاع وحي *** تُشيِّعه ملائكة كرام
يرون النور من عمَهٍ ظلاما *** وليس النور يحكيه الظلام
ظلام الكفر سد السمعَ منهم *** وأبصارا وأفئدة فهاموا
وقد ضلوا ضلالا عن إمام *** مبين عندما سطع الإمام
بل اتخذوا أبا جهل إماما *** لهم ما هكذا يلفى الإمام
وأصلاهم أبو لهب لهيبا *** وما تلفى الصلاة ولا الصيام
صلاتهم المكاء بخير بيت *** وتصدية وشربهم المدام
وأعجب ما به جاءت قريش *** إذا ذكرت عجائبها العظام
أن اتهموا الأمين ولم يكن للأمين على رسالته اتهام
أرى سر الوجود له مقام *** عظيم لا يقاومه مقام
يقابله القبيل بكل سوء *** ومهما قابلوه يقل سلام
وكم صدوه عن بلد حرام *** فحنَّ لفقده البلد الحرام
وكم قاموا له بمقام حرب *** عليه الركن يشهد والمقام
ولولا حلمه الجاري عليهم *** لحاط بهم من الله انتقام
ولما بيت الأعداء مكرا *** وبات لهم على الباب ازدحام
تلا ياسين ياسينا عليهمْ *** وهاجر عنهمُ وهمُ نيام
وغادر بالفراش أبا تراب *** حساما ما لهيبته انحسام
إذا الجيش اللهام رآه ولَّى *** على أعتابه الجيش اللهام
ألا يا قطب هذا الكون كلا *** ومن في فضله حار الأنام
لقد هاجرت محفوفا بحفظ *** يحوطك من وراء ومن أمام
وما هاجرت إلا بعد إذن *** ومعْك الصاحب البر الهمام
فما ذو خلة واف صبور *** يقدمه من التقوى زمام
بأعجب من أبي بكر وفاء *** وتفدية إذا خيف الحمام
ومن أسماء في ظلماء تسري *** وكانت في البيوت لها مقام
تجوب البيد مفردة بليل *** لها من حالك الظلما لثام
وما اعتصمت بعصبتها ولكن *** بحبل الله كان لها اعتصام
قد اقتبست من الإسلام سهما *** فولى السهم عنها والحسام
وكان شقيقها المرضي عينا *** لكُمْ يقظى بمكة لا تنام
أخو أسماء عبد الله هذا *** له في الهجرة الغرا وسام
يظل يراقب الأعداء طفلا *** صغيرا لم يحن منه احتلام
وما قالت وما فعلت قريش *** يبلِّغه الغلام كما يرام
غلام كل مجد قد دعاه *** وحين دعاه لباه الغلام
ونجل فهيرة الراعي قطيعا *** يشجعه يقين لا يرام
يؤم الغار في وقت رهيب *** به الأعداء قد قعدوا وقاموا
وقد جنت لهجرتكم قريش *** وظل لها على ثور زحام
سما فوق السماء بذاك ثور *** وكان له من الحرم احترام
به باض الحمام وليس يخشى *** حمام بعدما باض الحمام
ونسج العنكبوت رأوه حصنا *** يسلمكم برؤته السلام
فيا عجبا له نسجا ضعيفا *** يرد المعتدين وهم فئام
به انهزم العدو ولم يكن قبل ذلك للعدو به انهزام
وأعجب من سراقة سيم خسفا *** وغايته هي المائة السوام
سراقة لاترم طه بضيم *** فجانبه عزيز لا يضام
أمامك عصمة قدسية ما *** تقوم لها السيوف ولا السهام
أتبغي بالهدى كوما عظاما *** فهل سيقت لك الكوم العظام
وخيمة أم معبدها أضاءت *** وما زالت تفَدِّيها الخيام
سعادتها تلم ببيتها إذ *** غدا للهاشمي بها لمام
وظل لشاتها العجفاء شأن *** يرى في المعجزات لها وسام
وما زالت بيُمنِ يمين طه *** تجود برسلها والعام عام
وأعجب كيف درتها استمرت *** وكانت من هزال لا تقام
وأوس نجل عبد الله أهدى *** لكم جملا يُزيِّنه سنام
وقد أهدى الزبير لكم ثيابا *** وكانت بالبياض لها اتسام
وتابع سيره الوفد المفدى *** تحييه الصحاري والإكام
وما زالت كوالئ من حفيظ *** تظلله كما فعل الغمام
إلى أن زار أنصارا كراما *** شعارهمُ التحية والسلام
وسار البغض والأحقاد عنهم *** وسادهمُ التآخي والوئام
وأصبحت المدينة في ضياء *** وعن أجوائها انزاح القتام
وألحان السرور مرجعات *** لها في كل ناحية قيام
وللكفر انقباض فانقراض *** وللدين ابتهاج فابتسام
أيا قطب الورى أهدي سلاما *** لحضرتكم له الجادي ختام
به الحاجات في الدارين تقضى *** ويشفى ذلك الداء العقام
عليك وآلك الأطهار أسنى *** صلاة للمراد بها تمام
وقيل في العلامة گراي الكثير من المراثي الحسنة سأورد منها هنا قصائد العلامة الشيخ بن حمَّ والعلامة محمد سالم ولد عدود والعلامة أحمدو بن التاه بن حمينَّ والقاضي محمدن بن شماد ابن أحمد يوره والدكتور جمال ولد الحسن والأديب إسماعيل بن محمد يحظيه:
يقول شيخنا العلامة الشريف الشيخ بن حم:
لحوادث الأزمان كل أوان == حدث تجيء به يد الحدثان
وتقلب الأحوال أمر لازم == بين الورى بتقلب الأزمان
والمرء ساع في المآرب غافل == في سعيه تحجوه كالنشوان
وحقيقة الدنيا كظل زائل == أو كالخيال لنائم وسنان
لكن دهانا والقضاء محتم == حدث عظيم مدهش الأذهان
نعي الإمام أخي المعارف والنهى == گراي شيخي فائق الأقران
شيخ تضعضعت الجبال لفقده == حتى غدتْ معوجة الأركان
والجو أظلم يومه وتراكمت == لذهابه أحزان ذي الأحزان
بحر من الخير الكثير تسابقت == فيه الخصال كمثل خيل رهان
الحلم والعلم الغزير وسؤدد == وشمائل كالدر والمرجان
والجود بالمال النفيس على الورى == والبذل في الإسرار والإعلان
والفقه في الدين القويم وحكمة == وتعمق في سيرة العدناني
وأصول فقه والقواعد واللغى == وتبحر في منطق وبيان
تبكى علوم الشرع قاطبة عليـ == ـه بوابل من دمعها الهتان
ولفقده تبكي قواف رصعت == بمحسنات للقريض حسان
وبكى العروض بعبرة مهراقة == أضحت بها عيناهُ تنهملان
إن أنس لا أنساه وسط ندينا == يُبدي العلوم بأوضح التبيان
أيام يسقينا كؤوس علومه == في حسن ألفاظ وطيب معان
فنظل من عذب المسائل نرتوي == والقاصيات من العلوم دوان
فكأننا مع مالك وسليله == والعيلم السبكي ذي الإتقان
أو ننظر الجعفي عند حديثه == أو نجل إسحاق العظيم الشان
وكأنما كان ابن مقلة بيننا == وخطوطه كالدر والعقيان
وكأنما كان الجنيد يفيدنا == بمعارف تشفي من الأدران
فلقد حوى ذاك الفقيد فضائلا == لم أستطع تعدادها بلساني
قرم علته سكينة ورزانة == وتصدع من خشية الرحمن
يدعو إلى الدين القويم ولم يخف == من سوقة كلا ولا سلطان
إن تنظرن ديوانه ألفيت من == ذاك الكثير بذلك الديوان
فله قصائد جمة تدعو إلى الـ== إيـمان والإسلام والإحسان
إن غيبوه عن العيون فلم يغب == صيت له في سائر البلدان
ومصنفات في الفنون تنوعت == ومآثر شاعت بكل مكان
من للأرامل واليتامى بعده == من للضعيف الواله الحيران
قد كان يجري في الأنام نواله == سيان فيه بعيدهم والداني
يا شيخنا بوئتَ أشهى منزل == وسقى ضريحَكَ وابلُ الرضوان
وسكنتَ في أعلى الجنان مبجلا == جذلان بين الحور والولدان
وجزاك عنا الله خير جزائه == وحباك أطيب رحمة وحنان
وحبا خلائفك الكرام مواهبا == ووقاهم من شر كل زمان
خلف تساموا في العلى من دوحة الـ== ـكرماء ءال العاقل الأعيان
تلك العشيرة قد سمت في المكرما== ت فمالها في المكرمات مدان
ثم الصلاة على الأمين محمد== ما ناحت الورقاء بالأغصان
ويقول العلامة محمد سالم ولد عدود:
رحمى لهذي الملة الغراء – ثكلت بفقد الناسك القراء
حييت من شيخ أمين مخلص – في وجه كل مسمع ومراء
هاد لطيف بالضعيف مياسر – متواضع ساط على الأمراء
رب ارض عنه وأرضه واخلفه في – من خلفه بالنصر والسراء
ما لي بحصر خصالهم طمع ولو – أوتيت كل جوامع الإطراء
ونسجت ألف مقامة وقصيدة – وأعنت بالخطباء والشعراء
اقْنَيْ حياءك أم والدها وبالأبناء سيري سيرة الكبراء
كم عمة لك هكذا فعلت فما – بك حاجة في ذا إلى الإغراء
ونيابة عني احملي شوقي إلى – أعلام تلك الحضرة الزهراء
ويقول العلامة أحمدو والتاه ول حمين:
شريعةَ طه قد أصبتِ ألا صبرا – وإن جل خطب قد أُصبتِ به قدرا
فعوَّدكِ الدهرُ الخطوب جسيمة – وبعد النبي قد خف أن تحملي إمرا
أصبتِ بحب مخلص لك ناصح – وناصرك الداعي إليك الورى جهرا
أصبت بگراي المنيبَ لربه – الاَريبَ التقي العابدَ الورعَ البرا
أصبت بمن قد قام للدين ناشئا – وعنه الدنا ما إن ثنته وما اغترا
بل اعرض عما زينت من زخارف – يريد به ذخرا لدى داره الأخرى
قرا المجد والأضياف طفلا وشاتيا – وكم قرأ العلم النفيس وكم أقرا
وألف في شتى الفنون مقربا – غوامضها للناس ينشرها نشرا
وزهد في الدنيا بأوصاف زاهد – وذكر بالإدمان لو تنفع الذكرى
وقد كان في التوجيه صادق وجهة – لمولاه لا يبغي رياء ولا فخرا
وأودع خطا في الطروس منمنما – يحلي بطون الكتب تحسبه الدرا
وأتقن إسناد المعاني ومسندا – وإنشاءها والوصل والفصل والقصرا
وأبدع في علم البديع قصائدا – تحلي إذا ماتنشد الأذن والنحرا
ولازم ماليس التزاما بلازم – كأن عليه للقريض به نذرا
فسله عن الأشكال يعطيك سرها – وما تنتج الصغرى بضم إلى الكبرى
وماتستوي فيه سوالب مستو- بموجبة من عكسي النقض والأخرى
وإن خفيت يوما مسالك علة – ورامت عن الأفهام مسلكها الوعرا
يجلي معماها ويبدي مناطها – والاِيماء والتحقيق والقسم والسبرا
وسيرة طه ربع هزة عنده – وسله عن الفقه المحرر بالأحرى
وعن مشكلات النحو سله وأهله – فإن لديه من علومهمُ خبرا
وماكان مشهورا لدى أهل بصرة – وما اختلفا فيه الكسائي والفرا
ألا ولتقف بالغلفَ وانبنبَ ساعة – وزر وادع بالرضوان ثم ولا عذرا
ومن ثم بالميمون وقفة نادب – عيالم أحيوا سنة المصطفى الغرا
حماة أباة الضيم من آل عاقل – عليهم من الرحمان رحمته تترى
مقدمهم قد كان جار على هدى – قويم وتاليهم جرى ذالك المجرى
هم الناس كل الناس ترجع نحوهم – قضايا القضاء المشكلات به طرا
فتجرى على قانون شرع بطبعهم – بها كل أطراف التنازع قد سرا
وإن لبست سود المعاني حجابها – عن أهل الحجى واستشكل الفهم وازورا
ترى لفهوم القوم في ظلماتها – سرى مهتد في عمقها يشرح الصدرا
فلا زال هذاك الجناب كعهدنا – يكوِّن أشياخ الديانة والقرّا
ويا آل أحمد يورَ طاب زمانكم – وأعطي كسر لا يخص بكم جبرا
فذا الخطب عم المسلمين وإننا – إلى الله كلا راجعون ولا نكرا
فبوأ مولانا الفقيد مبوءا – ينال به الرضوان والأمن والسرا
وأنزل في أعلى الفراديس منزلا – وعلل من أنهارها نهَرا نهْرا
وأسأل ربي للخلائف ألفة – وحفظا فلا لاقوا مسيئا ولاضرا
ففيهم بحمد الله مافيه أسوة – لنا وبهمْ تستبرد الكبد الحرا
على المصطفى أوفى صلاة متمم – ومعها سلام يملأ البر والبحرا
ويقول القاضي محمدن ولد شماد ولد أحمد يوره:
بدايتنا تدل على النهايه – دليل نهاية المرء البدايه
ويروي الدهر أعمار البرايا – وتختم ساعة الأجل الروايه
أيا ناعي الإمام تأن مهلا – رويدك قدْكَ حسبك صهْ كفايه
إلى أين المفر وقد تولى – إمام العصر مبلغ كل غايه
إمام في الريعة لا يبارى – وفي علم الحقيقة والولايه
له انقادت أسانيد الروايه – وضم لها مقاييس الدرايه
له وقت لتدريس ووقت – للاستنباط من خبر وآيه
وأشرطة بفرض العين جاءت – وسيرة خير من لبس العبايه
ألا من للعقائد بعد شيخي – وإرشاد إلى طرق الهدايه
ومن للأمر بالمعروف والنهي عن نهج المناكر والغوايه
أيا من للأرامل واليتامى – ويا من للرفادة والسقايه
لذا كراي كان وغير هذا – وفيما قلته منه كفايه
له الرأي السديد إذا تصدى – يظل الجمع ينتظرون رايه
“إذا ما راية رفعت لمجد” – تلقى باليمين أعز رايه
سقته من الرحيم سحاب رحمى – ورضوان تصوب بلا نهايه
وحف به مع الولدان حور – من الجنات في أعلى بنايه
وباركْ رب في الخلفا وحطهم – وحطنا بالكلاية والرعايه
ولا تشمت بنا الأعداء إنا – دخلنا منك في كنف الحمايه
صلاة لا تني معها سلام – على الختم المقدم في البدايه
ويقول الدكتور جمال ولد الحسن:
حق لقيد الصبر أن يهملا – ولمصون الدمع أن يبذلا
ولجَمود العين مسِّيكها – أن يبتغى أول من أعولا
ولشرودات القوافي إذا – دعين أن يقبلن تترى ولا
أما ترى الخطب الذي أنزلا – بالدين والقطر به مبتلى
أما ترى ربع الهدى والندا – والحلم والسؤدد قد عطلا
أما ترى الناس تداعوا إلى – بكائهم بالجفلى حيهلا
أما تذكرت أتنسى ألا – تعلم هل يمكن أن تجهلا
أما سمعت العلم ينعي إلى – تقوى الإله السيد الأكملا
يقول والفضل له منصت – مصدق شاهده الأعدلا
كان إلى خالقه مخبتا – يتلو فيتلو المحكم المنزلا
قد أوتي العلم صبيا فما – زاد بزيد السن إلا علا
قد كان عن عاجله معرضا – كان على ءاجله مقبلا
تخللت محبة المصطفى – فؤاده كالخمر إذ خللا
تراه منها ثملا صاحيا – ما أحسن الصحو إذا ثمّلا
فهو عل سيرته عاكف – يرعى ويرعى روضها المخضلا
وينشر الفواح من عطرها – ويتملى حسنها المجتلى
مشتغلا بالله عن خلقه – فهو عليه أولا عولا
ووسع الأنام منه حجى – يغدون فيه رحلا نزلا
وشخصه ما بينهم حاضر – وهْو على أفق الثريا علا
ويكثر الصمت على أنه – آتاه ربي المقول الفيصلا
وخلق نموذج مفرد – ما إن ترى أجمل أو أنبلا
فما وعوا من قوله زلةً – ولا رأوا في فعله محملا
إلى فضائل له جمة – يعسر أن تشمل أو تهملا
أجمل راويها إذا أجملا – وفصل الدر إذا فصلا
بقية من سلف صالح – لا نعدم الخلف في ذا الملا
ولا يزلحديثهم مسندا – رفع واتصل إذ سلسلا
ويقول الأديب إسماعيل ولد محمد يحظيه:
أأبا بنية أنت كيف تغيب – وفسيح روضك مورق وخصيب
أبتاه ماهذا العزوف ولم تزل – رفدا وصدرك للأنام رحيب
ما أنصفتنا الموت يوم استأثرت – بك إن يومك إذ تغيب عصيب
ضلت مخارجها الحروف فللأسى – نوح عليك وللبكاء نحيب
يا أيها الطير المهاجر سابحا – في ذلك الأفق البعيد يغيب
يا مبحرا كالثلج بيض شراعه – للبحر دمدمة به ولجيب
إنا اقتبسنا منك صفو قلوبنا – والأنس في المحراب كيف يطيب
ولقد قطفنا من رياضك زهرة – شذي الشذا منها وطاب الطيب
خرق الجناح أصاب من أكبادنا – بسهامه ما لم ينله نعيب
قل لي بربك كيف لا تصفو الرؤى – إلا ليهلك عالم وخطيب
حتام يقتلع المنون خيارنا – لمَ لا يموت الموت حين يشيب
أو كلما نجمٌ تألق مرة – أزف الرحيل وحان منه مغيب
أرفاقنا في الله لا لاتجزعوا – نفسا بما فعل المدبر طيبوا
لا تحزنوا وترفقوا بكمُ وبي – فلدي من وقع المصاب نصيب
يا دوحة الميمون تختزن الشذى – أرجا تلمس دربها فتصيب
هذي جذورك أزهري وتضوعي – إن الفروع من الأصول تطيب
رباه لطفك حط به البر الوفــــــــــي فإنه عبد إليك منيب
وأقم له من بعده من شمله – سندا وذخرا ما أقام عسيب.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.
محمدن ولد امَّد ولد أحمدُّ
أمين الثقافة بالمنتدى العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

شاهد أيضاً

ندوة تحت عنوان “نصرة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم”

نظم المنتدى العالمي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرأسه الشريف الإمام الشيخ …